قصة عمتي زهور


  عمتي زهور أو الحاجة زهور امرأة في العقد السادس من عمرها ، طويلة القامة ،نحيفة الجسم ، بيضاء البشرة ، يشع من وجهها نور مشرق ، يتوسط جبينها وشم أخضر يانع ، راحة يدها خير دليل على طبيعة عملها و نشاطها الدائم .
الظروف هي من أملت على عمتي زهور أن تعيش هكذا فقد توفي زوجها الحاجالبشير قبل سنوات ولم يترك لها شيء ، لا منزل ولا معاش يساعدها من بعده .
عمتي زهور رزقها الله ثلاثة أولاد لكن أعمارهم كانت قصيرة فمرض البوحمرون كان لهم في طريق الحياة ، فتك بهم وهم صغار لتبقى عمتي زهور بعدهم وحيدة في كوخها البسيط لا أنيس سوى جرو كلب و قطيع من الماعز و بعض الدجاج .
مع خيوط الفجر الاولى توقد عمتي زهور توقد موقدها ، الذي ينبعث منه دخان يغرق الحي المجاور ، يشم السكان ريحه فيعرف الجميع أن عمتي زهور تعد قهوتها ، فهي الوحيدة التي تسكن كوخ سقفه و جدرانه من الأغصان و العيدان و القش وبعض قطع البلاستيك ، حتى يحميها الصقيع و الأمطار .



كعادتها تخرج كل صباح بقطيع الماعز للرعي في أطراف القرية علها تجد بعض الكلاء ، الذي أصبح نادرا بسبب قلة الأمطار ، و ترجع عمتي زهور بعد الظهيرة تسوق قطيعها أمامها و حزمة من الأغصان على ظهرها ، هذه الأغصان للطهي والتدفئة طبعا ، لأن الكوخ بارد جدا و إشعال النار بداخله أمر حتمي. نعم تنام عمتي زهور وحيدة في هذا الكوخ البسيط ، الذي لا يتوفر على أدنى شروط الحياة ، لا باب يصد المخاطر ، لا كهرباء تضيء ، الظلام دامس ، الماء بعيد فهي تمشي مسافة طويلة لتحضر ما تحتاج من ماء محمول على ظهرها .
تمتهن عمتي زهور مهنة التوليد ، أي قابلة القرية فهي مستعدة في كل وقت ، دوما في الخدمة من أجل المساعدة وبدون مقابل ، فعلاقة عمتي زهور مع الجيران طيبة جدا ، الكل يحبها ويعرض عليها الخدمة ، فهي أم الجميع ،هي عند سكان الحي شيء عظيم مقدس .
تمر الأيام و السنين وعمتي زهور على هذا الحال ، لكن بدأ تطور جديد يطرأ ، إنهم صبية عمتي زهور ، أبناء عمتي زهور هكذا يسميهم أهل الحي ، هؤلاء الصبية هم من استقبلتهم يد عمتي زهور عند خروجهم لهذه الدنيا ، نعم لأنها هي القابلة التي تساعد نسوة القرية على الولادة .
كانوا يرون عمتي زهور أمهم يسمونها أمي هكذا ، هم معها على الدوام باستثناء أوقات الدراسة بل حتى النوم ،منهم من ينام في الكوخ معها وهم في غاية السعادة داخل الكوخ .



في الصباح يذهبون معها للرعي و عند المساء يرجعون معها ،و هم يحملون أغصان الشجر اليابس و بعض الأعشاب و عمتي زهور تتوسط جمعهم و هي برفقتهم في قمة السعادة و الفرح ، وعجلة الزمن تسير لقد أصبح الصبية شبابا يافعين منهم من يعمل حتى .أصبحوا في مرتبة الرجال تقريبا ، و مازالوا على عهدهم السابق ، الوفاء لأمهم التي لم تنجبهم لكن الحنان و العطف جعلا منها أم و جعل منهم أولاد لها . فمجلسهم ليلا حول موقد أو كانون عمتي زهور المتوقد الذي يعلوه إبريق القهوة ، ناشرا عبق طيب لا مثيل له ، كل ليلة على هذا الحال يسهرون في جو أسري ملؤه السعادة ، وحديثهم على ما يدور في القرية .
ذات ليلة سمع أبناء عمتي زهور أن البلدية ستوزع يوم الخميس القادم حصص دعم مالي للمحتاجين ، مقدرة بغرفتين و حمام و مطبخ و عمتي زهور قد أودعت ملف للبلدية منذ وقت و قابلت السيد الرئيس و قد وعدها بأنها ستكون أول مستفيد هذه المرة ، نعم هذه المرة .
تقول عمتي زهور : { قابلت المير و وعدني قال لي المرة الجاية ، قال : أنا صادق هذه المرة ، أنت أول شخص يدي استفادة }. بدأ العد التنازلي ليوم الخميس ، حالة ترقب و أمل الكل ينتظر ، الاربعاء ليلا الكل حول الكانون المشتعل غدا يوم الخميس اليوم الموعود ، يوم فرح و يوم بداية نهاية الكوخ و بداية عهد جديد ، الكل يتمنى بيت لعمتي زهور منزل من القوالب و الإسمنت كبقية المنازل المجاورة .
أمنية عمتي زهور منزل محترم تتوفر فيه شروط الحياة هكذا تقول : { مصيبة هذا الكوخ ، كي إيجيك ضياف وش ادير و الله حالة ..} . عمتي زهور واثقة هذه المرة في الحصول على الاستفادة عكس المرات السابقة ، تطلب من أولادها النوم غدا الخميس ويجب النهوض باكرا و التوجه لدار البلدية ، و التي تبعد عنهم مسافة ربع ساعة بالسيارة .
يستيقظ الجميع صباحا و كلهم أمل في تحقيق الحلم ، السيارة جاهزة و عمتي زهور تشير إلى ذكر الماعز و تخبرهم أنه اليوم سيذبح و نقيم عليه مأدبة عشاء ، تعبيرا عن الفرح .
الكل صوب البلدية و عند الوصول وجدوا حشودا كبيرة و قائمة معلقة على سبورة وضعت في الفناء الواسع و الناس تتزاحم ، الكل يبحث عن اسمه و أخيرا وصل علي و أصبح أمام القائمة مباشرة .
فحص القائمة و أعاد الكرة صعودا و هبوطا ، عمتي زهور اسمها غير موجود ، كتم أنفاسه و تسمر أمام السبورة ، لحقه المهدي فهم الأمر لكن حاول مرة أخرى ، نعم غير موجود اسمها هكذا قالها فيصل .
هنا ثارت ثائرة أبناء عمتي زهور و هاجوا ، انبرى هواري يبحث عن رئيس البلدية ، غير موجود لقد فر و الغريب في الأمر أن المستفيدين حالهم أفضل من حال عمتي زهور . لم تولي عمتي زهور الأمر اهتماما كبيرا و اجتهدت في تهدئة أولادها و طلبت منهم الخروج فورا حتى لا يتأزم الوضع و يحدث ما لا يحمد عقباه .
وصل الجميع إلى المنزل أي الكوخ في حالة نفسية يرثى لها و فضل أكثرهم الصمت ، وفي الليل اجتمعوا حول الموقد المشتعل و السكون يخيم على المكان ، والكلام الآن بنظرات العيون ، لغة العيون . قطع مهدي الحديث هذا السكوت { غدا نبدأ إن شاء الله في الإعداد لبناء المنزل } ، استغرب الجميع و كيف ذلك ؟ .
مهدي: عندي صديق يبيع لوازم البناء سأتصل به و أطرح عليه الموضوع عله يساعدنا،
علي : فكرة أتذكر صاحب والدي المقاول الحاج سعد ربما يساعدنا .
فيصل : يا الله على بركة الله .
هواري : رانا معاكم إلى الأمام .
حضر كل شيء يلزم للبناء من حصى و إسمنت و حديد ... و تبدأ عملية الأشغال ، و الأشغال جارية على قدم و ساق ، العمل متواصل تقريبا ،النهار و حتى الليل ، عمتي زهور في غاية السعادة و هي تراقب أولادها يعملون ، تبتسم ابتسامة تحمل
في طياتها الكثير .
الأشغال قاربت من النهاية ، لم يبقى سوى الطلاء و الدهن غرفتين و مطبخ و حمام ، نعم في أيام قليلة تم طلاء المنزل و ربطه بشبكة المياه و كذلك الكهرباء ، و الكل يساعد من أبناء القرية و أبناء عمتي زهور هم قادة المعركة .
اليوم يتغير كل شيء عمتي زهور في المنزل الجديد ، لكن يلزمنا بعض الأثاث ، ثلاجة ، تلفاز، سرير ... توجه الشباب للسوق و بعد الظهيرة الأثاث داخل المنزل .
ذكر الماعز يذبح فرحا و تقام مأدبة العشاء و الدعوة للجميع ، اليوم عمتي زهور تنام في بيت له باب و سقف و أنوار و الماء داخل المنزل ، و المدفئة و التلفاز ... اليوم ولدت من جديد ، إنها في غاية السعادة بهذا العمل و الدموع لا تفارقها وهي تعانق أولادها ، إنه اليوم الأول في المنزل و حولها ينام أولادها وهي تتوسطهم ، شيء عظيم ، أصبح أبناء عمتي زهور مضرب المثل في القرية وفي القرى المجاورة حقا يستحقون التقدير و الشكر .
و تمر الأيام عمتي زهور لها ثلاث سنوات في منزلها وهي تعيش حياة سعيدة رفقة أولادها ، و ذات يوم أحست بدوار نقلت إثره للمستشفى ، دخلت المستشفى و أمر الطبيب أن تبقى حتى تتعافى ، في اليوم الثاني عند الزيارة وجدوا عمتي زهور تستعد للخروج ، هكذا قال الطبيب .



خرجت من المستشفى عائدة إلى المنزل و حولها أولادها و هي ممددة على السرير أحست بشيء غريب يحدث معها ، إنها تحتضر ودعتهم الوداع الأخير و أوصتهم أن يبقوا متحدين هكذا ، و ها هي عمتي زهور تنطق الشهادتين ذاهبة إلى عالم آخر لا ظلم فيه .
شعور لا يوصف الكل يبكي لكن هذا أمر الله ، عمتي زهور رحمها الله وحدت مجموعة من الشباب فأصبحوا بفضلها إخوة ، الحزن خيم على الجميع إنه الفراق ، فراق أمهم لكن هذه مشيئة الله .
و تحمل عمتي زهور لمثواها الأخير ، حشود كبيرة من الناس من أجل توديعها ، وإلقاء النظرة الأخيرة عليها فليرحمك الله يا عمتي زهور .
في المقابل هل يتحرك ضمير رئيس البلدية هذه المرة لسماعه برحيل عمتي زهور و يتوقف عن ظلم المحتاجين من أمثالها ، أم أنه ليس لرئيس البلدية ضمير حتى يتحرك أصلا .
النهاية

تعليقات